عدد المساهمات : 765 العمر : 26 تاريخ التسجيل : 25/07/2013
موضوع: المشادات الكلامية للآباء وأثرها على الأبناء .. الأربعاء أغسطس 14, 2013 9:08 pm
قال اللهُ تعالى في كتابه العزيز : " وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ( النحل : 125 )
إن هذه الآية هي جزء من أسلوب الدعوة والموعظة الحسنة للآخرين وهي خطاب موجه إلى رسوله الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ولهذه الآية دلالة عميقة وعظيمة لفائدة الحوار والمناظرة والمحاججة والمناقشة مع الآخرين بأسلوب مهذَّب وشيق فيه لين ورفق وتحبُّب ..
ولكن ما أريد طرحه هو إلقاء الضوء في مسألة " ... بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " على المشادات الكلامية والجدالية الشائكة والصاخبة التي تجري بين الزوجين أمام أعين الأبناء ..
لا يخفى على اثنين من أنَّ .. البيت الأسري القائم على الدعامات والأساسات المتينة والمفعمة والمطلية بالعلم والإيمان والأخلاق الحميدة ، لا يتهدم بناؤه بسهولة ،
فالزوجة هي إحدى هذه الدعامات والقواعد التي يستند إليها هذا البيت ، ويُعْتبَرُ الرجل هو الأساس والدعامة والقائم الآخر على إدارة شؤون بيته ،
ثم الأبناء هم الدعامة الثالثة له ، فلذا يتطلب منهم الشيء الكثير للمحافظة عليها وصونها على أكمل وجه ..
بالمقابل لا يخلو بيت من مشاكل أسرية متعددة ومتنوعة ، وقد يتطرق الجانبان أي :
( الزوج والزوجة ) - وإن كانا ذَوَي علم وثقافة - في عرض هذه المشاكل بأسلوب غير حضاري وغير أدبي ومتناقض لا يليق مع الشرع الإسلامي الحنيف ..
حيث يسلكان أحيانا طرقا همجية للتحاور من خلال المشادات الكلامية ، ويتفوهان - بين الفيْنَةِ والأخرى - بألفاظ وكلمات بذيئة يُنْدَى لها الجبين فيها قلة احترام وقلة ذوق وقلة تقدير ..
يتبعها تشنجات عصبية قد تؤدي في النهاية إلى وقوع أمور خطيرة ..
والخطير في الأمر أنَّ هذه الهمجية تحدث أمام الأولاد وبين أعينهم ، دون الشعور بتدارك الأمر ، ودون الاكتراث بأحاسيسهم ومشاعرهم ..
فبالتالي .. إن صدى المشادات الكلامية قد يتجاوز الحدود فتتلقفها تلك الآذان الصاغية البريئة التي تستمع وتشاهد مجريات الحرب اللسانية وعلى الهواء مباشرة ،
وتقوم برسم وصياغة صورة سيئة في أذهانهم عن حياة آبائهم ، والذي قد يتسبب إلى التشتت الذهني للأبناء ، وتحطُّمٍ في الحالات النفسية لديهم ،
فيؤثر ذلك سلبا في سلوكياتهم وأنماط حياتهم وطرق تفكيرهم ، وبدوره يؤدي هذا إلى عواقب وخيمة تجاه أنفسهم وتجاه آبائهم وتجاه الآخرين ..
وقد تتلقفها - أيضا - ألسن وأعين تترصد أحداثا وأخبارا جديدة ، فتبدأ تلك الأنفس المريضة بالحراك والعمل لصنع القنابل الفكرية الخبيثة وتدمير هذا الكيان الأسري الغض ..
إن تلك الألفاظ المذمومة أصبحت إضافة جديدة في المعجم اللغوي للأبناء ..
وأنَّ تلك الصور والوقائع والأحداث الملتقطة أصبحت كلها سهلة التداول في ألسنتهم وسهلة التناول بين أقرانهم في المجتمع ..
لقد أكسب الآباء أولادهم تلقائيا وبطريقة غير مباشرة سلوكا ونمطا جديدا في التعامل معهم ومع أقرانهم في المجتمع ،
ولم يتطلب الأمر منهم بذل جهد كبير للتعلم وإنما الأمر فقط سماع ومشاهدة واقعي واختزان ..
ولعدم وجود مسار محدد للإطار الفكري ، ولغياب مبدأ التفاهم وأدب الحوار بين الزوج وزوجته ؛ فإنه قد ينشأ عن تلك الجدالات الساخنة
ظهور آثارٍ سلبية تضر بمصلحة الزوجين والأبناء من ناحية ، وتعيق مسيرة الحياة الأسرية على المستوى الاجتماعي من ناحية أخرى ،
يترتب على ذلك توسيع رقعة الخلافات وتوتر العلاقات وإيجاد الكراهية والبغضاء بين الأطراف وتقلُّص في العلاقات العاطفية بينهم ،
والسماح بأطراف أخرى بالتدخل أو الاجتراء بإثارة القلاقل والفتن في حياتهم مما يؤدي في نهاية المطاف إلى نشوء حرب داخلية نتيجتها الحتمية الطلاق والتفكك الأسري ..
إنَّ للمشادات الكلامية أسبابا كثيرة ، تختلف كما وكيفا ، ويشترك فيها الطرفان غالبا ، ولكن قد يكون الزوج هو الطرف الأكثر إثارة واصطناعا لهذا الأمر ، نوجزها في النقاط الآتية :
1- عوامل نفسية .
2- ضغوطات العمل .
3- سوء الفهم للأمور .
4- الشك .
5- العصبية اللازمة .
6- حب الانتقام .
7- حب السيطرة .
8- عدم الاهتمام أحدهما بالآخر من نواحٍ مختلفة فكريا ونفسيا واجتماعيا و..
9- عدم اكتراث الزوجة بتوجيهات وبأوامر الزوج واستصغاره أمام الآخرين .
10- عدم اكتراث الزوج بمشاعر زوجته واستصغارها أمام الآخرين .
إنَّ ما يهمني في هذا الجانب هو ( الأبناء ) .. فالأبناء ضحية ( فكر ضحل ) مشترك بدون ذنب في هذه الجدالات والنزاعات الساخنة والعقيمة ..
والآباء فقط وحدهم يتحملون مسؤولية ما سيحدث لأبنائهم إن تكررت واستفحلت هذه المشاهد السلبية المفجعة بينهم .
إنَّ من أسباب ضياع الأبناء وقلة تركيزهم وتشتتهم الفكري والنفسي والروحي إنما مرده هذا الأمر ..
أمَا علم الآباء أنَّ خطورة الجدالات الساخنة بينهم أمام أعين أولادهم لهو أمر خطير وفاجعة كبرى ينال قسطها الأبناء ..
فهؤلاء يورِّثون أبناءهم نتائج جدالهم العقيم مما يولِّدُ لديهم الكره والبغض والحقد وربما الانتقام لآبائهم ولأنفسهم ولأقرب الناس إليهم ولأصدقائهم أيضا ،
ومن ثمَّ يسلكون مسالك اعوجاجية منتهاها إلى الدمار والهلاك ..
إنَّ الانطوائية والانعزالية والوحدة والحالات العصبية والأمراض النفسية الأخرى التي تصيب الأبناء لهو نتاج ذلك الأمر ..
ألا يعي الآباء مدى خطورة هذا الأمر تجاه أبنائهم أم أخذوا الأمور سبهللة ودون اكتراث ..
أمَا كان الأجدر من الآباء مناقشة هذه المشاكل بينهم - " ... بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " بالحوار الهادف والنقاش البنَّاء بعيدا عن الأولاد ..
أمَا عَلِمَ الآباء أنَّ الأبناء قد يتصرفون تصرفا خاطئا تجاههم وقد يضطر الواحد منهم أن يدافع عن أمه مثلا ويتهجَّم على أبيه وقد يؤدي الأمر به إلى قتله ربما ..
لو عملنا مسحا شاملا لأسباب تردي أوضاع الأبناء دراسيا ( فقط ) - ناهيك عن الجوانب الأخرى - لوجدنا أن النسبة تتخطى ربما الـ 20% من غيرها من الأسباب ..
فتلك إذن كارثة عظمى ، وتستمر هذه الكارثة إن لم نحدَّ من انتشارها ونوقفها عند حدِّها ..
همسة ..
لمَ لا نأخذ الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قدوة لنا ونمشي على خطى هذه الآية الكريمة :